وهادا موضوع جديد لكل المحبين :
....................................................
والإنسان كما هو عقل وإرادة ، هو مشاعر وعواطف ووجدان ، وهو نفس وروح ، كما هو جسد وأجهزة مادِّيّة ، تعمل وفق قوانين بيولوجية وفسيولوجية .
والحبّ حالة نفسـيّة وعاطفية تنبع من أعماق الانسان لتمنحه السعادة والهناء ، وربطه بالمحبوب ارتباط الانسجام والرِّضى والتوافق ، حتى يكاد المحبّان أن يتّحدا ، إذا ترسّـخ الحبّ ، وتحوّل إلى شعور باحتواء المحبوب . فيشعر المحبّ ، فيما وراء الوعي أن لا إثنينيّة بينهما . فهما حقيقة واحدة ، و ذاتان مندمجان في ذات النفس . والحبّ هو رابطة روحيّة، وإحساس نفسي ، وشعور وجداني يعيش في أعماق النفس ، ويتّخذ أشكالاً شتّى من التعبير ، كالثناء والتقبيل والتحيّة والمصافحة والنصيحة والمعانقة ورفع الأذى ، والهديّة والمصاحبة في السّير والزيارة، والاحتفاظ بالصّورة ، وبتبادل كلمات الود، والعيش في مكان مشترك .
ويتجسّد الحبّ في مجـالين اثنين هما : المجال الحسِّي ; وهو الحبّ المألوف في عالَم الانسان ، وثانيهما المجال الروحي : وهو الحبّ الرّوحي المتمثِّل في حبّ الانسان لله وللقيم والمعاني المجرّدة ، كقيم الحق والعدل .
ولأهمية الحبّ في الحياة، وقيمته في سعادة الفرد والأسرة والمجتمع ، اعتبر الاسلام الحبّ قيمة عُليا في رسالته ، وهدفاً سامياً من أهدافه ، يسعى بشتّى الوسائل لتحقيقه ، وتكوينه في النفس البشرية ، وإشاعته في المجتمع ، وبناء الحياة على أساس الحبّ والمودّة .
ونعرف قيمة الحبّ في الاسلام من تعريف الاسلام للحبّ .. نعرفه عندما يعرِّف الاسلام نفسه بأ نّه الحبّ ، وبأنّ الحبّ هو الاسلام .. وأنّ قيمة كبرى يسعى لتحقيقها في الحـياة هي الحبّ .. حبّ الله ، وحبّ الخير ، وحبّ الإنسان .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتّى تحـابّوا ، أوَلا أدلّكم على شيء إذا فعلتمـوه تحاببتم : أفشوا السّلام بينكم»(5) .
نقرأ ذلك في الحديث الشريف والّذي نصّه : «مِن كتاب المحاسن ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث له ، قال لزياد : ويحـك هل الدِّين إلاّ الحبّ ، ألا ترى قول الله عزّ وجلّ : إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم . أوَلا ترى قول الله عزّ وجلّ ، لمحمّد : حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم . وقال : يحبّون مَن هاجر إليهم . فالدِّين هو الحبّ ، والحبّ هو الدِّين»(6) .
فالدِّين هو الحبّ ، والحبّ هو الدِّين ..
هذا التعريف الفريد في عالَم الانسان للدِّين والحبّ ، يعرِّفنا بمحتوى الدِّين ومحتوى الحبّ.. فالدِّين حبّ لله وللناس وللخير ، والحبّ مقدّس عندما ينطلق من حبّ الله، عندما ينطلق من حبِّ الخير المطلق والجمال المطلق .
لنقف طويلاً عند هذا التعريف الذي حمله إلينا الحديث الشريف ، ولنتأمّل في مفاهيمه الحضارية وقيمته الكبرى في حياة الانسان ، لنعرف كم هي الحاجة إلى تمثّل هذه القيمة الحضارية ، وتحويلها إلى سلوك وممارسات في حياة الانسان ..
وكم هي بحاجة إلى الحبّ حضارة الانسان الماديّة المليئة ، بالحقد والانتقام التي تسجِّلها حوادث الحروب من القتل الجماعي ، ودفن الأحياء في مقابر جماعية ، واغتصاب النساء ، وقتل الأطفال ، وحرق المدن والمزارع ، ونسف البيوت للتشفِّي والإنتقام ..
وكم تسجِّل لنا يوميّاً معاهد الإحصاء الجنائي من أرقام القتل الوحشي والعدوان المروِّع الذي لا تمارس مثله الوحوش الكواسر ..
وكم هو البؤس الذي يسيطر على معظم سكّان المعمورة بعدما غاب الحبّ عن القلوب ، وتحوّلت العلاقة بين بني الإنسان إلى جفوة وفي مواقع منها إلى حقد وكراهيّة ..
وكم هي البشريّة بحاجة إلى حبّ الاسلام ، الحبّ المجرّد من الرِّبح والحساب المادِّي ، الحبّ الرّوحي والعاطفي الصّادق ..
ولم تكن مفاهيم الحبّ ، قيماً فلسفيّة مُجرّدة ، بل جسّدها الاسلام منهجاً عمليّاً يستوعب قلب الانسان وروحه وعقله وحسّه ونشاطه وغرائزه . فالحبّ في الاسلام هو :
حبّ الله ..
حبّ الوالدين ..
حبّ الزّوجة ..
حبّ الأبناء ..
حبّ الحاكم العادل ..
حبّ الوطن والأرض ..
حبّ الحاكم للاُمّة ..
حبّ الأرحام ..
حبّ النّاس ..
حبّ الجمال ..
حبّ الطّبيعة ..
حبّ العلم ..
حبّ الخير ..
ومن حبّ الله يبدأ الحبّ في الاسلام .. وضّح القرآن هذه الحقيقة الجوهريّة في عمق الاسلام ، بقوله :
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ الله ). ( آل عمران / 31 )
وحبّ الله في الاسلام يعني حبّ المؤمنين بالله، وحبّ الخير للبشريّة، وحبّ الخير والكمال فيما يفعل الانسان وفيما يقول ويعايش ..
وحبّ الله هو حبّه بأسمائه الحسنى ، الرّحمن الرّحيم ، العفوّ الغفور، الرّؤوف الودود، الحليم الشكور، العادل اللّطيف ، مجيب دعوة المضطرّ، المنعم المحسن ... إلخ .
وفلسفة الحبّ الإلهي، هي فلسفة العشق الذي ملأ عالَم الموجودات فشدّها إلى المبدأ ، وشوّقها في حركة المادّة والرّوح للبحث والسّعي نحو الكمال ..
فصنع روحاً بشريّة توّاقة إلى الحبّ والبحث عن الجمال في عالَم المحسوس ، وعوالِم القيم والاعتبار ..
فالمؤمن المحبّ يرى وجود الله والقرآن متجلِّياً بأسمائه الحسنى في الأشياء والعوالِم من حوله.
والقرآن يطلق على الله سبحانه اسم الإله ..
وكلمة إله في لغة العرب مأخوذة من الوَلَه ، وهو الحبّ والتحيّر في صفات المحبوب .. والعلاقة بين الله والخلق مبنيّة على الحبّ والودّ ; لذا وصف نفسه سبحانه ، الرّحيم الودود ، حتّى ورد في بعض الروايات أنّ الله لا يكره خلقه ، وإن كفروا به وعادوه ، إنّما يكره أفعالهم السيِّئة التي يفعلونها .
وكم عبّر القرآن عن حبّ الله للإنسان، وعرّفه للخلق بأ نّه الحبيب المحبّ لفاعلي الخير والمعروف ، فقال :
(... إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المحْسِنِين ). ( البقرة / 195 )
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التّوّابِينَ وَيُحِبُّ المتَطَهِّرِين ). ( البقرة / 222 )
(... فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المتَّقِين ). ( آل عمران / 76 )
(... وَاللهُ يُحِبُّ الصّابِرِين ). ( آل عمران / 146 )
(... إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المقْسِطِين ). ( المائدة / 42 )
وكم وقف القرآن مع الّذين لا يعرفون قيمة الحبّ الإلهي ، يؤنِّبهم ويهدِّدهم، بأ نّهم إن أعرضوا عنه، فسوف يأتي بآخرين يحبّهم ويحبّونه . فهو سبحانه يريد أن يبني الحياة على أساس الحبّ بينه وبين خلقه ، وفيما بين الخلق أنفسهم ; لذلك نجده يستنكر على الانسان أن يحبّ غير الله كحبّه لله .
جاء هذا البيان بقوله :
(وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله ).( البقرة / 165 )
وهكذا يتجلّى مبدأ الحبّ الإلهي في الخطاب القرآني، وقد ملأ الحياة بعد أن ملأ القلوب والنفوس ، وحبّ الله حصانة للنفس البشرية من النزوع إلى الجريمة والعدوان ، وتطهير للنفس والوجدان من الحقد والكراهيّة للحقّ والخير والجمال .
ويعمل الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جاهداً على أن يشيد المجتمع على أساس الحبّ والولاء في الله ، فيوضِّح للناس هذه الحقيقة بقوله :
«ودّ المؤْمِنِ للمؤْمنِ في اللهِ مِن أعظمِ شُعب الإيمان ، ومَنْ أحبَّ في اللهِ، وأبْغَضَ في اللهِ، وأعْطى في اللهِ، ومَنَعَ في الله، فهوَ مِنَ الأصفياء»(7) .
ويأتي بيان نبويّ آخر ليعمِّق الحبّ في النفوس، ويقيم لغة التخاطب على أساس الحبّ،فيعلّم المسلم كيف يفصح عن حبِّه لأخيه، ليشيع في نفسه الحبّ ، ويشعره أ نّه في مجتمع يكتنفه الحبّ ، ولا مكان فيه للحقد والكراهية . قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إذا أحبّ أحدكم أخاه ، فليُعلِمه إيّاه»(
.
وقد علّم القرآن الانسان المسلم تطهير النّفس من الحقد والغلّ والكراهية لتصفو للحبّ وحده ، ففي الدّعاء القرآنيّ :
(وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوْبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم ).( الحشر / 10 )
والرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبلِّغ أفكاراً نظريّة ، ولا فلسفة أخلاقيّة مجرّدة ، بل هو حامل دعوة لبناء الانسان بناءً عمليّاً . لذا نجده جسّد قيم الحبّ والولاء تجسيداً عمليّاً حين طبّق مبدأ المؤاخاة بين المسـلمين ، فآخى بين كل اثنـين منهم ، وآخى بين نفسـه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) .
فأصبح المجتمع بعد المؤاخاة صورة للحبّ والأخوّة .. وكم تجسّد هذا الحبّ إيثـاراً ، فقسم الأنصـار أمـوالهم ، قسماً لأنفسهم وقسماً للمهاجرين، وحين تجسّد الإيثار صورة تفيض بالحبّ والمؤاخاة، أثنى الله سبحانه على صورة الحبّ الاجتماعية تلك بقوله :
(وَا لَّذينَ تَبَوّأوا الدَّارَ وَالإِيمانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إلَيْهِم وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِم وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَاُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُون ). ( الحشر/ 9 )
ثمّ يتواصل تيّار الحبّ والمؤاخاة شعوراً وجدانيّاً ، وسلوكاً عمليّاً لدى الأجيال التالية، فهي ورثت مِن أسلافها مشاعر الحبّ والاحترام، ولم ترث مشاعر الكراهية والبغض التأريخي .
القرآن يصف هذه الظاهرة الاجتماعية الفريدة في عالم الانسان ، وذلك الترابط الوجداني المتواصل الذي تنيره العقيدة ، وتمدّه العاطفة بالحرارة والحيويّة . يصفه بقوله :
(وَا لَّذينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا وَلاِخْوَانِنا ا لّذينَ سَبَقُونا بِالإِيمانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم ). ( الحشر / 10 )
وظاهرة الدعاء الواردة في الآية هذه ، وفي غيرها من الآيات ، هي أصدق تعبير لدى مَن يعي ما يقول ، هي أصدق تعبير عن الحبّ بين المؤمنين ، فلا يدعو الدّاع ، إلاّ وهو مُحبّ لمن يدعو له بالخير والصّلاح .
وعلى أساس الحبّ يؤسِّس الاسلام الأسرة ، فعلى أساس الحبّ تُبنى العلاقة بين الزّوجين ، وبين الآباء والأبناء . وأصدق ما يجسِّد هذه الرّوح هو قوله تعالى :
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنْفُسِكُم أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَة ). ( الرّوم / 21 )
ويتحدّث الإمام الصّادق (عليه السلام) عن حبّ المرأة في الاسلام فيصفه بقوله : «ما أظنّ رجلاً يزداد في الإيمان خيراً ، إلاّ ازداد حُبّاً للنِّساء»(9).
والرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو الرّجل إلى أن يُشعِر زوجته بالحبّ ليثبت في قلبها .
إنّه يصوِّر عطاء تلك الكلمة الخالدة بقوله : «قول الرّجل للمرأة : إنِّي أحبّك ، لا يذهب من قلبها أبداً»(10).
وفي بحبوحة الاُسرة يتحرّك الحبّ ، فيملأ قلوب الأبناء ، كما ملأ قلوب الآباء . إنّ رسـالة الاسلام تدعو الآباء إلى تربية أبنائهم على الحبّ ، فالحبّ حاجة نفسـيّة يؤدِّي فقدها أو نقصها إلى أمراض وحالات نفسيّة خطيرة ; لذا دعا الاسلام إلى التعامل مع الأبناء بروح الحبّ ، وإشعارهم بتلك العواطف والأحاسيس ، لينشأوا على حبّ الآباء ، وحبّ كلّ من حقّه أن يُعامَل بهذه العاطفة .
ويؤكِّد الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على حُبِّ الأبناء ليؤسِّس في النفوس تلك العواطف الجميلة . نذكر من هديه هذا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الّذي رواه عنه الإمام جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السلام) : «أحِبّوا الصِّبيان وارحموهم ، وإذا وَعَدْتُموهُم شَيئاً فَفُوا لَهُم ، فإنّهُم لا يَرونَ إلاّ أ نّكُم تَرْزقُونَهُم»(11).
وعن الصّادق (عليه السلام) أيضاً: «إنّ اللهَ لَيَرْحَم العَبْدَ لِشِدّةِ حُبِّهِ لولده»(12).
ولكي يتحوّل الاحساس بالحبّ علاقة حسِّيّة بين الآباء والأبناء يدعو الرّسـول (صلى الله عليه وآله وسلم) الآباء إلى تقبـيل أبنائهم ، فإنّه إشعار عملي للآباء والأبناء برابطة الحبّ .
رُوي عن الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «مَن قبّل ولدهُ كَتَبَ اللهُ لَهُ حَسَنة»(13).
ولم يتحدّث القرآن عن حقّ من الحقوق البشرية ، كما تحدّث عن حقوق الوالدين ، ووجوب حبّهما .
نذكر منها قوله تعالى :
(أَنِ اشْكُر لِي وَلِوَالِدَيكَ إِلَيَّ المَصِير ). (لقمان / 14 )
(وَقَضى رَبُّكَ ألاّ تَعْبُدوا إلاّ إِيّاهُ وَبِالْوَالِدَينِ إِحْساناً ).( الإسراء / 23 )
(إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاَهُما فَلاَ تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُما). (الإسراء/23)
(... وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفا ). ( لقمان / 15 )
(وَاخْفِضْ لَهُما جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً ). (الإسراء / 24 )
بل ويتعالى حبّ الوالدين إلى مستوى العبادة في مفهوم الاسلام.صوّر الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)هذه الحقيقة بقوله:«نظر الولد إلى والديه حُبّاً لهما عبادة».
وحبّ الوالدين مسألة أخلاقية يستشعرها الانسان في أعماق نفسه، فالوالدان هما مصدر المعروف والإحسان والحبّ للإنسان في هذه الأرض . ومن حقّهما أن يُعاملا بالمثل على القاعدة الأخلاقية التي ثبّتها القرآن بقوله :
(هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إِلاّ الإِحْسَانُ ). ( الرّحمن / 60 )
سُئِلَ أبي عبدالله (عليه السلام): «أيّ الأعمال أفضل ، قال : الصّلاة لوقتها ، وبرّ الوالدين ، والجهاد في سبيل الله»(14) .
ويتواصل بناء الحياة في الاسـلام على أساس الحبّ،من العلاقة مع الله،والعلاقة بين أفراد الأسرة،وإلى العلاقة مع السلطة العادلة.السلطة التي تقوم على أساس الحبّ والرحمة بالأمّة.
يُثبِّت الرّسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا المبدأ في الأخلاق السياسية ، فيقول : «خيار أئمّتكم الّذين تحبّونهم ويحبّونكم»(15) .
ولم يكن الحبّ في الاسلام عواطف وأحاسيس وجدانيّة تربط الانسان بالله سبحانه ، والإنسان بالإنسان فحسب ، بل والحبّ رابطة نفسيّة تربط الانسان بعالم الطبيعة والأرض والأشياء والجمال .
وما أجمل التعبير النبويّ الكريم عن ذلك حين وصف الخالق العظيم بقوله : «إنّ الله جميل يحبّ الجمال»(16).
وكم هو جميل تعبير الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مشاعر الحبّ في نفسه الكريمة تجاه الأرض والأشياء ، وكم هو يسعى في ذلك لأن يصنع من الانسان روحاً وعواطف تفيض بالحبّ والإرتباط مع عالَم الطبيعة والأرض .
روى كتاب السِّيَر ورواة الحديث أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يسير في أصحابه فطلع لهم جبل اُحُد، فحين رآه قال: «هذا جبل نحبُّه ويحبُّنا»(17).
وكما أنّ للحبّ جانبه الإيجـابي الكبير في النّفس عندما يوجّه توجيهاً سليماً ، فإنّ له آثاره السلبيّة أيضاً عندما يُبالَغ فيه ، ومن غير أن يوجّه توجيهاً سليماً.. فالحبّ المفرط للأبناء أو الزّوجة أو الأصدقاء، مثلاً ، الّذي يستولي على عواطف الانسان وعقله ، الحبّ الأعمى ، كما يُقال ; يقود إلى الإساءة إلى شخصيّة المحبّ وإلى المحبوب نفسه ..
فالحبّ المفرط للأبناء والدّلال ، يجعل الآباء يستجيبون لأبنائهم استجابة غير محدودة، ويحجمون عن محاسبتهم على الإساءة، أو منعهم عن ممارستها . كما قد يقود الحبّ المفرط للزّوج أو الزّوجة ، بعض الأزواج، مثلاً، إلى مشاكل عائليّة كثيرة ، فيقود هذا الحبّ إلى الإساءة إلى بقيّة أفراد العائلة . أو تصرّف بعضهم تصرّفاً يسيء إلى العلاقة الزّوجية ومشاعر الحبّ نفسها .
ونقرأ في الحديث النبويّ الشريف توجيهاً لمشاعر الحبّ ، وضبطاً لها . قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أحْبِب حبيبكَ هوناً ما ، فقد يكون بغيضكَ يوماً ما . وأبغِض بغيضكَ هوناً ما ، فقد يكون حبيبكَ يوماً ما»(18) .
وفي الحياة الاجتماعية نلاحظ بعض الحبّ يقود إلى الانحياز، والتأييد على الباطل ، أو تضييع حقّ الآخرين . وذلك ما نهى الإسلام عنه ، وحذّر منه .
عن أبي جعـفر (عليه السلام) قال : «إنّما المؤمن الّذي إذا رضيَ لم يُدخلـهُ رضاه في إثم ولا باطل ، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحقّ ، والّذي إذا قدر لم تخرجه قدرته إلى التعدِّي إلى ما ليسَ له بحقّ»(19).
انا في انتظار ردودكم